الوثيقة: قانون 53.25 وتحديات السيادة الرقمية في المغرب
الوثيقة في صلب
الحدث :
مشروع القانون التنظيمي 25.53
بين تحدي السيادة الرقمية
وضمان
الحريات الانتخابية
مدخل عام
لم يعد
الفضاء الرقمي مجرد وسيلة تواصل موازية، بل أصبح أحد ميادين الصراع الديمقراطي
الأساسية، حيث تُصاغ القناعات، وتُوجَّه الإرادات، وتُدار الحملات الانتخابية خارج
الأطر التقليدية.
في هذا السياق، وبعد نقاشات واسعة في المؤسسة التشريعية حول ضرورة تحديث المنظومة الانتخابية لمواكبة التحديات الجديدة – لا سيما تلك المرتبطة بالتمويل الرقمي والتدخلات العابرة للحدود – يندرج مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25 (المعدِّل للقانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بانتخاب بمجلس النواب).
يأتي هذا
المشروع باعتباره محاولة تشريعية لضبط هذا المجال الحساس، في تقاطع معقد بين
السيادة الوطنية، ومكافحة الأموال المجهولة المصدر، وحرية التعبير السياسي التي
يكفلها الدستور.
أولاً: الإطار التشريعي – تشديد الرقابة على الإنفاق الانتخابي الرقمي
جاء مشروع القانون 53.25 بمقتضيات جديدة تستهدف بشكل مباشر الإعلانات
السياسية المدفوعة على المنصات الرقمية الأجنبية، وتنص المادة المثيرة للجدل - المادة 40 - على معاقبة كل من نشر إعلاناً سياسياً أو
منشورات انتخابية مؤدى عنها على منصات أو مواقع إلكترونية أجنبية، بغرامة مالية
تتراوح بين 50.000 و 100.000 درهم.
وتُعد هذه العقوبة من بين الأشد في منظومة القانون الانتخابي، ما يعكس إرادة تشريعية واضحة في الردع، ورسالة سياسية مفادها أن الفضاء الرقمي لم يعد منطقة رمادية خارج نطاق الرقابة.
ثانياً: الرهان الأول – حماية السيادة الوطنية ومكافحة التمويل المشبوه
1- تجفيف منابع التمويل المجهول
الدفع مقابل الإعلانات على منصات أجنبية يخرج عملياً عن دوائر الرقابة
البنكية والضريبية الوطنية، مما يفتح الباب أمام:
·
إخفاء مصادر التمويل الحقيقية،
·
استغلال
أموال مهربة أو غير مشروعة للتأثير على اختيارات الناخبين،
·
الالتفاف
على سقوف الإنفاق الانتخابي.
من هذا المنظور، يسعى القانون إلى إعادة توجيه الإنفاق الانتخابي نحو قنوات خاضعة للرقابة الوطنية، بما يضمن شفافية المسار المالي للحملات.
2- منع التدخل الخارجي في الإرادة الشعبية
في ظل تصاعد حالات التدخل الأجنبي في الانتخابات عبر
الحملات الرقمية الموجهة (Micro-targeting)، يهدف النص إلى:
·
ضمان تكافؤ
الفرص بين الفاعلين السياسيين،
·
منع توظيف الخوارزميات
والإشهار الممول لتوجيه الرأي العام خارج أي رقابة ديمقراطية.
ثالثاً: الرهان الثاني – حرية التعبير وصعوبة التنفيذ
1- التضييق على التعبير السياسي الرقمي
تشكل المنصات الرقمية اليوم القناة الرئيسية للتواصل السياسي،
خاصة لدى الشباب والأحزاب الناشئة. ويُخشى أن يؤدي الحظر الشامل إلى:
·
تكريس
امتياز غير مباشر للأحزاب الكبرى القادرة على استغلال الإعلام التقليدي،
·
تقييد غير
متناسب لحرية التعبير والتواصل السياسي، كما يكفلها الدستور.
2- إشكالية التنفيذ والولاية القضائية
يبقى التحدي الأكبر هو قابلية تطبيق النص:
·
المنصات
الكبرى ( Meta، Google، TikTok) لا تخضع مباشرة للولاية
القضائية المغربية،
·
ترفض
غالباً الإفصاح عن بيانات المعلنين دون مساطر قضائية دولية معقدة،
·
يصعب
عملياً إثبات هوية الممول الحقيقي للإعلان أمام القضاء.
وهنا يبرز خطر تحول النص إلى ردع نظري قوي، لكنه ضعيف التنفيذ.
رابعاً: بين الضرورة الأمنية والمخاوف الحقوقية
يضع مشروع القانون التنظيمي 53.25 المغرب أمام معادلة دقيقة:
·
من جهة،
ضرورة حقيقية لحماية النزاهة الانتخابية والسيادة الرقمية،
·
ومن جهة
أخرى، واجب دستوري في صون حرية التعبير وضمان عدالة التنافس السياسي.
إن الإشكال لا يكمن في تقنين الدعاية الرقمية، بل في طبيعة هذا التقنين.
خاتمة: نحو بديل تشريعي متوازن
قد لا يكون الحظر الشامل هو الجواب الأمثل. فالبديل
الأكثر توازناً يتمثل في:
·
إخضاع
الإعلانات السياسية الرقمية لنظام تصريح ومراقبة،
·
التعاون مع
المنصات الدولية بدل الاكتفاء بمنع قانوني صعب التطبيق.
بهذا المعنى، يشكل مشروع القانون 53.25 خطوة مهمة، لكنها تظل بحاجة
إلى مراجعة دقيقة تضمن حماية السيادة دون التضحية بروح الديمقراطية
الرقمية.
وجهة نظر برلمانية: قراءة نقدية للدكتور عبد الرحيم بوعيدة
ففي سياق النقاش العمومي الذي أثاره مشروع القانون التنظيمي رقم 53.25، قدّم الأستاذ الجامعي والبرلماني الدكتور عبد الرحيم بوعيدة قراءة تحليلية توقفت عند خلفيات هذا التعديل التشريعي ودلالاته المحتملة على تنظيم الممارسة السياسية في الفضاء الرقمي بالمغرب
وفي قراءته الفاحصة لمضامين مشروع القانون رقم 53.25، اعتبر الدكتور عبد
الرحيم بوعيدة أن هذا التشريع يعد "من أحسن القوانين في السنوات الأخيرة " [00:47]، مبرراً ذلك بضرورة وضع حد
لـ "نزيف الأموال" نحو
المنصات الأجنبية.
ويمكن تلخيص أبرز نقاط تعليقه فيما يلي:
·
تخليق
الحياة السياسية: يرى أن منع الإعلانات المدفوعة سيعيد الاعتبار لـ "البرامج والأفكار" بدلاً من
"قوة المال" [03:10]، معتبراً أن من يملك المال لا يجب أن يكون هو الوحيد القادر على
تسويق صورته أمام المواطنين .[01:44]
·
مبادرة
الدولة مقابل عجز الأحزاب: يسجل الدكتور ملاحظة نقدية هامة، وهي أن هذا المشروع جاء بمبادرة من وزارة
الداخلية لتخليق الحياة السياسية [03:22]، في حين كان من المفروض أن تبادر الأحزاب السياسية نفسها لضبط
سلوكها الانتخابي وتطهير صفوفها من الفساد [13:19].
·
ما وراء
القانون.. معركة القيم: يختم بوعيدة مداخلته بنقطة جوهرية تتقاطع مع طرحك حول "الحريات
والسيادة"، وهي أن "القانون وحده لا يصلح المجتمع" ما لم تقترن النصوص القانونية بمنظومة أخلاقية
وقيمية لدى الفاعل السياسي [09:25].
⚖️ الوثيقة المرجعية
يمكنك الآن الاطلاع على الصيغة الكاملة
للمشروع كما أحيلت على المؤسسة التشريعية:
🔗
.png)
الانضمام إلى المحادثة